فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن قتادة قال: هؤلاء رهط من قريش، منهم الأسود بن عبد يغوث، والأسود بن المطلب، والوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، وعدي بن قيس.
وأخرج ابن جرير وأبو نعيم، عن أبي بكر الهذلي قال: قيل للزهري إن سعيد بن جبير وعكرمة اختلفا في رجل من المستهزئين، فقال سعيد: الحارث بن عيطلة وقال عكرمة: الحارث بن قيس. فقال: صدقا جميعًا. كانت أمه تسمى عيطلة، وكان أبوه قيسًا.
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وأبو نعيم، عن الشعبي رضي الله عنه قال: المستهزئون سبعة، فسمى منهم العاص بن وائل، والوليد بن المغيرة، وهبار بن الأسود، وعبد يغوث بن وهب، والحرث بن عيطلة.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وأبو نعيم، عن قتادة ومقسم مولى ابن عباس {إنا كفيناك المستهزئين} قال: هم الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل وعدي بن قيس والأسود بن عبد يغوث والأسود بن المطلب، مروا رجلًا رجلًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه جبريل، فإذا مر به رجل منهم قال له جبريل: كيف محمد هذا؟ فيقول: بئس عبد الله، فيقول جبريل: كَفَيْنَاكَهُ. فأما الوليد، فتردّى فتعلق سهم بردائه، فذهب يجلس فقطع أكحله فنزف حتى مات.
وأما الأسود بن عبد يغوث، فأتى بغصن فيه شوك، فضرب به وجهه فسالت حدقتاه على وجهه فمات، وأما العاص، فوطئ على شوكة فتساقط لحمه عن عظامه حتى هلك.
وأما الأسود بن المطلب وعدي بن قيس، فأحدهما قام من الليل وهو ظمآن ليشرب من جرة، فلم يزل يشرب حتى انفتق بطنه فمات.
وأما الآخر، فلدغته حية فمات.
{وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)}
أخرج سعيد بن منصور وابن المنذر والحاكم في التاريخ، وابن مردويه والديلمي، عن أبي مسلم الخولاني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أوحي لي أن أجمع المال وأكون من التاجرين، ولكن أوحي إلي أن {سبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين}».
وأخرج ابن مردويه والديلمي، عن أبي الدرداء رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما أوحي إليّ أن أكون تاجرًا ولا أجمع المال متكاثرًا، ولكن أوحي إلي أن {سبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين}».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {حتى يأتيك اليقين} قال: الموت.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير، عن سالم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنه {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين} قال: الموت.
وأخرج ابن المبارك في الزهد، عن الحسن رضي الله عنه في قوله: {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين} قال: الموت.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله: {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين} قال: الموت إذا جاءه الموت جاءه تصديق ما قال الله له، وحدثه من أمر الآخرة.
وأخرج البخاري وابن جرير عن أم العلاء: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على عثمان بن مظعون وقد مات، فقلت: رحمة الله عليك أبا السائب، فشهادتي عليك لقد أكرمك الله. فقال: وما يدريك أن الله أكرمه..؟ أمّا هو، فقد جاءه اليقين إني لأرجو له الخير».
وأخرج النسائي وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير ما عاين الناس له، رجل يمسك بعنان فرسه فالتمس القتل في مظانه: ورجل في شعب من هذه الشعاب، أو في بطن وادٍ من هذه الأودية في غنيمة أن يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويعبد الله حتى يأتيه اليقين، ليس من الناس إلا في خير».
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من طلب ما عند الله، كانت السماء ظلاله والأرض فراشه، لم يهتم بشيء من أمر الدنيا. فهو لا يزرع الزرع وهو يأكل الخبز، وهو لا يغرس الشجر ويأكل الثمار؛ توكّلًا على الله وطلب مرضاته فضمن الله السموات السبع والأرضين السبع رزقه، فهم يتعبأون به ويأتون به حلالًا، واستوفى هو رزقه بغير حساب عبد الله حتى أتاه اليقين».
وأخرج ابن المبارك في الزهد، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: ليس للمؤمن راحة دون لقاء الله، ومن كانت راحته في لقاء الله فكان قد كفي، والله أعلم بالصواب. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95) الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (96)}
الذين دَفَعْنَا عنكَ عاديةَ شَرِّهم، ودَرَأْنا عنكَ سوءَ مكرهم، ونصرناك بموجب عنايتنا بشأنك.. فلا عليكَ فيما يقولون أو يفعلون، فما العقبى إلا لَك بالنصر والظفر.
{وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98)}
وقال: {يَضِيقُ صَدْرُكَ} ولم يقل يضيق قلبك؛ لأنه كان في محل الشهود، ولا راحة للمؤمن دون لقاء الله، ولا تكون مع اللقاء وحشة.
ويقال هَوَّنَ عليه ضيق الصدر بقوله: {ولقد نعلم} ويقال إن ضاق صدرُك بسماع ما يقولون فيك من ذمِّكَ فارتفع بلسانك في رياض تسبيحنا، والثناءِ علينا، فيكون ذلك سببًا لزوال ضيق صدرك؛ وسلوة لك بما تتذكر من جلال قدرنا وتقديسنا، واستحقاق عِزِّنا.
{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)}
قف على بساط العبودية معتنقًا للخدمة، إلى أَنْ تَجلس على بِساط القربة، وتطالَبَ بآداب الوصلة.
ويقال التزِمْ شرائطَ العبودية إلى أنْ تَرْقَى بل تُكْفَى بصفات الحرية، ويقال في {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ اليَقِينُ}: إن أشرف خصالك قيامك بحقِّ العبودية. اهـ.

.قال التستري:

قوله: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} [97، 98]. أي صلِّ لله تعالى واذكره، فكأن الله تعالى قال له: إن ضاق صدرك بقرب الكفار بكذبهم، بما وصفوا لك من الضد والندر والشريك بجهلهم وحسدهم، فارجع إلى مشاهدتنا وقربنا بذكرنا، فإن قربك فينا، وسرورك بذكرنا ومشاهدتنا، واصبر على ذلك، فإن رضاي فيك.
وقد حكي أن موسى عليه السلام قال: إلهي دلني على عمل إن أنا عملته نلت به رضاك.
قال: فأوحى إليه: يا ابن عمران، إن رضاي في كرهك ولن تطيق ذلك.
قال: فخر موسى عليه السلام ساجدًا باكيًا، وقال: إلهي خصصتني منك بالكلام، فلم تكلم بشرًا قبلي، ولم تدلني على عمل أنال به رضاك.
فأوحى الله تعالى إليه: إن رضاي بقضائي. اهـ.

.قال صاحب روح البيان:

قال في شرح الحكم ما تجده القلوب من الهموم والأحزان يعني عند فقدان مرادها وتشويش معتادها فلأجل ما منعت من وجود العيان إذ لو عاينت جمال الفاعل جمل عليها ألم البعد كما اتفق في قصة النسوة اللاتي قطعن أيديهن ويحكى أن شابًا ضرب تسعة وتسعين سوطًا ما صاح ولا استغاث ولا تأوه فلما ضرب الواحدة التي كملت بها المائة صاح واستغاث فتبعه الشبلي قدس سره فسأله عن أمره فقال إن العين التي ضربت من أجلها كانت تنظر إلى في التسعة والتسعين وفي الواحدة حجبت عني وقد قال الشبلي من عرف الله لا يكون عليه غم أبدًا.
واعبد ربك دم على ما أنت عليه من عبادته تعالى حتى يأتيك اليقين أي: الموت فإنه متيقن اللحوق بكل حي مخلوق ويزول بنزوله كل شك وإسناد الإتيان إليه للإيذان بأنه متوجه إلى الحي طالب للوصول إليه.
والمعنى دم على العبادة ما دمت حيًا من غير إخلال بها لحظة كقوله: {وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيًا} [مريم: 31] ووقت العبادة بالموت لئلا يتوهم أن لها نهاية دون الموت فإذا مات انقطع عنه عمله وبقى ثوابه، وهذا بالنسبة إلى مرتبة الشريعة.
وأما الحقيقة فباقية في كل موطن إذ هي حال القلب والقلب من الملكوت ولا يعرض الفناء والانقطاع لأحوال الملكوت نسأل الله الوصول إليه والاعتماد في كل شيء عليه، وفي الحديث: «ما أوحي إلي أن أجمع المال وأكن من التاجرين ولكن أوحى إليّ أن {سبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين}».
وفي التأويلات النجمية {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ} إنك يضيق صدرك من ضيق البشرية وغاية الشفقة وكمال الغيرة بما يقولون من أقوال الأخيار ويعملون عمل الأشرار فسبح بحمد ربك أنك لست منهم وكن من الساجدين سجدة الشكر واعبد ربك بالإخلاص حتى يأتيك اليقين أي إلى الأبد وذلك أن حقيقة اليقين المعرفة ولا نهاية لمقامات المعرفة فكما أن الواصل إلى مقام من مقامات المعرفة يأتيه يقين بذلك المقام في المعرفة كذلك يأتيه شك بمعرفة مقام آخر في المعرفة فيحتاج إلى يقين آخر في إزالة هذا الشك إلى ما لا يتناهى فثبت أن اليقين هاهنا إشارة إلى الأبد انتهى كلامه.
قال في العوارف منازل طريق الوصول لا تقطع أبد الآباد في عمر الآخرة الأبدي فكيف في العمر القصير الدنيوي.
قيل: اليقين اسم ورسم وعلم وعين وحق فالاسم والرسم للعوام والعلم علم اليقين للأولياء وعين اليقين لخواص الأولياء وحق اليقين للأنبياء وحقيقة حق اليقين اختص بها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. اهـ.

.التفسير الإشاري:

.قال نظام الدين النيسابوري:

التأويل: في بشارة إبراهيم إشارة إلى أن الطالب الصادق وإن كان مسنًا ضعيف القوى كما قيل: الصوفي بعد الأربعين بارد. فإنه ينبغي أن لا يقنط من رحمة الله، ويتقرب إليه بالأعمال القلبية ليتقرب إليه ربه بأصناف الألطاف وجذبات الأعطاف، فيخرج من صلب روحه ورحم قلبه غلامًا عليمًا بالعلوم اللدنية وهو واعظ الله الذي في قلب المؤمن {إن في ذلك لآيات} لأصحاب القلوب المتوسمين بشواهد أحكام الغيب، وما خلقنا سموات الأرواح وأرض الأشباح، وما بينهما من النفوس والقلوب والأسرار والخفيات {إلا بالحق} أي إلا لمظهر الحق، ومظهره هو الإنسان المخصوص بذلك من بين سائر المخلوقات {وإن الساعة} يعني قيامة العشق {لآتية} لنفوس الطالبين الصادقين من أصحاب الرياضات لأن أنفسهم تموت بالرياضة ومن مات فقد قامت قيامته {فاصفح} أيها الطالب الصادق عن النفس المرتاضة بأن تداويها وتواسيها، فإن في قيامة العشق يحصل من تزكية النفس في لحظة واحدة ما لا يحصل بالمجاهدة في سنين كثيرة ومن هنا قيل: جذبة من جذبات الرحمن توازي عمل الثقلين. {إن ربك هو الخلاق} لصور المخلوقات ولمعانيها ولحقائقها {العليم} بمن خلقه مستعدًا لمظهرية ذاته وصفاته ومظهريتهما وليس ذلك في السموات والأرض وما بينهما إلا الإنسان الكامل وغيره مختص بمظهرية الصفات دون الذات وان كان ملكًا فلهذا قال: {ولقد آتيناك سبعًا} أي سبع صفات ذاتية لله تبارك وتعالى: السمع والبصر والكلام والحياة والعلم والإرادة والقدرة {من المثاني} أي من خصوصية المظهرية، والمظهرية الذات والصفات. {والقرآن العظيم} ولهذا صار خلقه عظيمًا لأنه كان خلقه القرآن {لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجًا} من أهل الدنيا والآخرة {واخفض جناحك للمؤمنين} بهذا المقام ليصلوا بجناح همتك إليه {على المتقسمين} الذين قسموا قهر الله على أنفسهم فصاروا مظاهر القهر {الذين جعلوا القرآن عضين} أي جزؤوه في الاستعمال فقوم قرأوه ليقال لهم القراء وبه يأكلون، وقوم حفظوه ليقال لهم الحفاظ وبه يجرّون الرزق، وقوم حصلوا تفسيره وتأويله إظهارًا للفضل وطلبًا للشهرة، وقوم استنبطوا معانيه وفقهه على وفق آرائهم ومذاهبهم فكفروا إذ فسروا القرآن برأيهم.
{إنا كفيناك المستهزئين} الذين يستعملون الشريعة بالطبيعة استهزاء بدين الله {الذين يجعلون مع الله إلهًا آخر} من الهوى والدنيا {فسبح بحمد ربك} لأنك لست منهم {وكن من الساجدين} سجدة الشكر {واعبد ربك} بالإخلاص {حتى يأتيك اليقين} أي إلى الأبد لأن كل مقام يحصل فيه اليقين بالعيان بعد العرفان فإنه يحصل فوقه مقام آخر مشكوك فيه إلى أن يحصل برد اليقين فيه أيضًا، فهناك مراتب لا تتناهى فاليقين يكون إشارة إلى الأبد والله أعلم. اهـ.

.قال الألوسي:

ومن باب الإشارة فيما تقدم من الآيات: ما قالوه مما ملخصه {نَبّىء عِبَادِى أَنّى أَنَا الغفور الرحيم} [الحجر: 49]. أي أخبرهم بأني أغفر خطرات قلوب العارفين بعد إدراكهم مواضع خطرها وتداركهم ما هو مطلوب منهم وأرحمهم بأنواع الفيوضات وأوصلهم إلى أعلى المكاشفات والمشاهدات {وَأَنَّ عَذَابِى هُوَ العذاب الأليم} [الحجر: 50]، وهو عذاب الاحتجاب والطرد عن الباب.
وقال ابن عطاء هذه الآية إرشاد له صلى الله عليه وسلم إلى كيفية الإرشاد كأنه قيل: أقم عبادي بين الخوف والرجاء ليصح لهم سبيل الاستقامة في الطاعة فإن من غلب عليه رجاؤه عطله ومن غلب عليه خوفه أقنطه وذكر بعضهم أن فيها إشارة إلى ترجيح جانب الخوف على الرجاء لأنه سبحانه أجرى وصفي الرحمة على نفسه عز وجل ولم يجر العذاب على ذلك السنن، وأنت تعلم أن المذكور في كثير من الكتب أنه ينبغي للإنسان أن يكون معتدل الرجاء والخوف إلا عند الموت فينبغي أن يكون رجاؤه أزيد من خوفه؛ وفي المقام كلام طويل يطلب من موضعه {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لفي سكرتهم يَعْمَهُونَ} [الحجر: 72]. قال النووي: أي بحياتك التي خصصت بها من بين العالمين، وقال القرشي: هذا قسم بحياة الحبيب صلى الله عليه وسلم.
وإنما أقسم سبحانه بها لأنها كانت به تعالى: {إِنَّ في ذَلِكَ لآيات لِلْمُتَوَسّمِينَ} [الحجر: 75]. أي المتفرسين، وذكروا أن للفراسة مراتب فبعضها يحصل بعين الظاهر، وبعضها ما يدركه آذان العارفين مما ينطق به الحق بألسنة الخلق، وبعضها ما يبدو في صورة المتفرس من أشكال تصرف الحق سبحانه وانطاقه وجوده له حتى ينطق جميع شعرات بدنه بألسنة مختلفة فيرى ويسمع من ظاهر نفسه ما يدل على وقوع الأمور الغيبية، وبعضها ما يحصل بحواس الباطن حيث وجدت بلطفها أوائل المغيبات باللائحة، وبعضها ما يحصل من النفس الأمارة بما يبدو فيها من التمني والاهتزاز وذلك سر محبته فإن الله تعالى إذا أراد فتح باب الغيب ألقى في النفس آثار بواديه إما محبوبة فتتمنى وإما مكروهة فتنفر فتفزع ولا يعرف ذلك إلا رباني الصفة، وبعضها ما يحصل للقلب إما بالإلهام وإما بالكشف، وبعضها ما يحصل للعقل وذلك ما يقع من أثقال الوحي الغيبي عليه، وبعضها ما يحصل للروح بالواسطة وغير الواسطة، وبعضها ما يحصل لعين السر وسمعه؛ وبعضها ما يحصل في سر السر ظهور عرائس أقدار الغيبة ملتبسات بأشكال إلهية ربانية روحانية فيبصر تصرف الذات في الصفات ويسمع الصفات بوصف الحديث والخطاب من الذات بلا واسطة وهناك منتهى الكشف والفراسة.
وسئل الجنيل رضي الله تعالى عنه عن الفراسة فقال: آيات ربانية تظهر في أسرار العارفين فتنطق ألسنتهم بذلك فتصادف الحق، ولهم في ذلك عبارات أخر.
{فاصفح الصفح الجميل} [الحجر: 85]. روى عمرو بن دينار عن محمد بن الحنفية عن أبيه عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه قال: الصفح الجميل صفح لا توبيخ فيه ولا حقد بعده مع الرجوع إلى ما كان قبل ملابسة المالفة، وقيل: الصفح الجميل مواساة المذنب برفع الخجل عنه ومداواة موضع آلام الندم في قلبه {وَلَقَدْ ءاتيناك سَبْعًا مّنَ المثاني} وهي الصفات السبعة أعني الحياة والعلم والقدرة والإرادة والبصر والسمع والكلام، ومعنى كونها مثاني أنها ثمى وكرر ثبوتها له صلى الله عليه وسلم، فكانت له عليه الصلاة والسلام أولًا: في مقام وجود القلب وتخلقه بأخلاقه واتصافه بأوصافه، وثانيًا: في مقام البقاء بالوجود الحقاني، وقيل: معنى كونها مثاني أنها ثواني الصفات القائمة بذاته سبحانه عز وجل ومواليدها، وجاء «لا زال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أجببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به» الحديث {والقرآن العظيم} [الحجر: 87]، وهو عندهم: الذات الجامع لجميع الصفات {لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجًا منهم} [الحجر: 88]. إلى آخره.
قال بعضهم في ذلك غار الحق سبحانه عليه عليه الصلاة والسلام أن يستحسن من الكون شيئًا ويعيره طرفه وأراد منه صلى الله عليه وسلم أن تكون أوقاته مصروفة إليه وحالاته موقوفة عليه وأنفاسه النفيسة حبيسة عنده، وكان صلى الله عليه وسلم كما أراد منه سبحانه ولذلك وقع في المحل الأعلى {مَا زَاغَ البصر وَمَا طغى} [النجم: 17]. {فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ وَكُنْ مّنَ الساجدين واعبد رَبَّكَ حتى يَأْتِيَكَ اليقين} [الحجر: 98، 99]. قد مر عن الكشف ما فيه مقنع لمن أراد الإشارة من المسترشدين، هذا وأسأل الله سبحانه أن يحفظنا من سوء القضا ويمن علينا بالتوفيق إلى ما يحب ويرضى بحرمة النبي صلى الله عليه وسلم وآله وأصحابه رضي الله تعالى عنهم أجمعين ما جرى في تفسير كتاب الله تعالى قلم. اهـ.